السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخيتي
الحمد لله رب العالمين,
الرحمن الرحيم، أرسل محمدا بالهدى والرحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله
القائل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، جاء بالرحمة للعالمين، - صلى الله عليه وعلى آله
وأصحابه الرحماء فيما بينهم.
أما بعد:
اكتب لك أختي الكريمة المسرفه على نفسك رساله, وتألمت للحالة التي وصلتي لها .
أكتب لك بلسان المشفق عليك , المحب لك كل خير .
أكتب
لك وأنا أنفض يدي للتو من غبار قبر , قبرنا صاحبته قبل قليل , وقفنا عنده
قليلاً ثم تركناها وحيداه فريده مرتهناً بعملها , أتدرين قبر من؟
أنه قبر أحد طالبات الصف الثالث الثانوي " وأظنك تكبرين منها " ولكنّ الموت لم يمهلها لصغر سنها . ولا أظنه سيمهلك أنت .
أكتب لك وقد قبرنا قبله بثلاثة أيام شاب في ريعان شبابه , أتدرين كم بين موته وزواجه ؟
أنها ثلاثون يوما فقط .
جاء ليشتري أغراض بيت الزوجية , ويفرح مع زوجته في عش طالما رسم له في ذهنه أمنيات , وخطط لمستقبله مع زوجه وولده تخطيطات .
فيا الله ما أقرب الموت منا !
وما أعظم غفلتنا عنه !
أخيتي:
لئن
كنت تعيشين سكرة الهوى , وظلام المعصية , وران على قلبك أثر الذنوب ,
وغفلت كما غفل غيرك عن ربه وعن مصيره المحتوم , فلعل رسالتي هذه أن توقظ
بقية الخير فيك التي أعلم بثباتها ورسوخها ولكنها الغفلة التي سرعان ما
تنقشع بالتذكرة .
وأعلم بطهارة نفسك التي تحب الله ورسوله وجنته ,
وتخاف من ناره , ولكنها سكرة الهوى التي تعيشينها وتزول بالصدق مع النفس
وتذكر الدار الآخرة .
أخيتي
لئن كنت اغتررت بشبابك فهلا اعتبرت بهؤلاء الذين ماتوا بعمر الزهور بعضهم أصغر منك .
ولئن اغتررت بجمالك , فهل تأمنين بقاء هذا الجمال ؟
إن لسعة نار واحدة , أو بخار حار قد تُذهب هذا الجمال , وتمحو تلك النضرة .
فلا تأمنين مفاجأة الأيام .
احذرك
– أخيتي - نقمة الله وأنت مقيمةٌ على معصيته , فقد تجرأ قبلك خلقاً على
ربهم , وتمردوا على شرعه , فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر .
أين من
كانوا يُحيون الليالي الحمراء , تجمعهم الكأس والغانية , ويرأسهم إبليس
بجنده , وكيف جاءهم الموت على حين غرة , فأصبحت قصصهم تُذكر ليُتعظ بها ,
فهل يسرك أن تكوني موعظة لغيرك ؟
ولئن
كنت ذكرت في رسالتك أحوال زميلاتك وأنهن واقعين فيما أنت واقعة فيه من
المعاصي , فلا تغتري بهم وبكثرة سوادهم - فالهالكون وربي كثير - ولكل واحد
صحيفة عمل , وله حساب على حده , وليس هذا عذراً لك بين يدي الله .
وبالمقابل
انظري إلى من نجت من شهوات الدنيا , فكانت لها الحياة الطيبة والذكر
الجميل بين الناس , وقد وعدها الله بعد مماتها بجنات النعيم .
اغمضي
عينيك الآن عندي حرفي هذا ....وتخيلي السنين تمضي عليك , وتخيلي أنه قد
فات منها عشر سنوات أو عشرين وقد بلغت الأربعين أو الخمسين فقول لي بربك
كيف سيكون حالك عند هذا السن ؟
هل ستكونين مع زوج في سعادة وبين يديك أطفالك تسعدين فيهم , وتهنئين ببرهم ؟
هل ستحضين برجل يفخر بك ويعتز أنه ارتبط بمثلك ؟
هل سيكون تحت قدميك أبناء بررة يجهدون لأجل برك ؟
كيف بك لو علموا أن أمهم يوماً من الأيام كانت .....؟
أخيتي
إن الله يمهل ولا يهمل , فلا تغتري بستره عليك
لا
تلجي يا أختاه إلى طريق الظلام فإنه نفق موحش , صار قبلك فيه أُناس وظنوا
أن فيه السعادة والأنس , فوجدوه سراباً خادعاً , وذاقوا مرارة الجراءة على
حدود الله , فعضوا أصابع الندم , وبكوا بدل الدمع دماً .
تمنوا أن لو لم تلدهم أمهاتهم وقد وصلوا إلى ما وصلوا إليه , فأُعيذك بالله أن تصلي إلى ما وصلوا إليه .
أختاه
إن
باب التوبة مفتوح , والكريم يبسط يده بالليل لك إن أسأت بالنهار , ويبسط
يده بالنهار لك إن أسأت بالليل , فلا تحرمي نفسك هذا العطاء .
وربي إنه ليفرح بك وبغيرك من التائبين
فلا تيأسي ولا تقنطي من رحمته
فلو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتي الكريم – غفر لك –
ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استرحمتي الرحيم - صب عليك رحمته , وأفاض عليك من جوده -
فهلمي إلى رحمته , وسارعي إلى بابه جوده المفتوح .
اللهم إن أمتك بنت عبدك قد أقبلت إليك , يارب فاقبل توبتها , وامح خطيئتها , وأبدل سيئاتها حسنات . اللهم آمين .
والحمد لله رب العالمين