الإمام الشافعي رحمه الله
وشاعرنا
لهذا الشهر هو الامام الشافعي -رحمه الله- واسمه الكامل ابوعبدالله محمد
بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد بن يزيد بن هاشم بن
عبدالمطلب بن عبد مناف ... ويجتمع مع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبد
مناف
وقد ولد في غرة سنة خمسين ومائة... في غزة بفلسطين وقيل بعسقلان وقيل باليمن .. ويرجح قول مولده بغزة
توفي والده وهو صغير .. فحملته امه من غزة وعسقلان الى مكة وهو ابن سنتين .. فعاش فيها
وقد توفي الامام الشافعي بعد مرض مزمن في مصر في التاسع والعشرين من رجب لعام مائتين واربعة للهجرة
وقد أخترته هنا لان شعره يجود بالكثير من الحكمة وماثور الكلام ما جعله من اعظم الحكماء في التاريخ
وهنا شيئا من اقواله الخالدة
الإستهزاء بالدعاء
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وماتدري بم صنع العاء
سهام الليل لاتخطيء ولكن ... لها امد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي ... ويرسلها إذا نفذ القضاء
السكوت عن اللئيم
قُل بما شئت في مسبة عرضي ... فسكوتي عن اللئيم جواب
ما انا عادم الجواب ولكن ... ما من الأُسد أن تجيب الكلاب
في الحظ
تموت الأُسدُ في الغابات جوعا ... ولحم الضأن تاكله الكلاب
وعبدُ قد ينام على حريرٍ ... وذو نسب مفارشه التراب
راقب ذاتك
إذا ما خلوتَ الدهر يوما فلا تقل ... خلوتُ ولكن قُل عليّ رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا ان ما يخفى عليه يغيبُ
السماحة وحسن الخلق
إذا سبّني نذلُ تزايدت رفعة ... وما العيب إلا ان اكون مساببه
ولو لم تكن نفسي عليّ عزيزة ... لمكّنتُها من كل نذل تُحاربه
عن السكوت
قالوا : سكتَّ وقد خوصمت قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل او احمق شرف ... وفيه ايضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأُسد تخشى وهي صامتة ؟ ... والكلب يخشى لعمري وهو نبّاح
رحمة الله
إن كنت تغدو في الذنوب جليدا ... وتخاف من يوم المعاد وعيدا
فلقد اتاك من المهيمن عفوه ... وأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسنّ من لطف ربك في الحشا ... في بطن أُمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالدا ... ما كان ألْهمَ قلبك التوحيدا
ودُّ الناس
إني صحبت أُناسا ما لهم عددُ ... وكنتُ أحسب أني قد ملأت يدي
لمّا بلوت أخلائي وجدتهم ... كالهر في الغدر لم يبقوا على أحد
إن غبتُ فشرُّ الناس يشتمني ... وإن مرضت فخير الناس لم يعد
وإن رأوني بخير ساءهم فرحي ... وإن رأوني بشر سرّهم نكدي
تقلبات الدهر
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر ..... والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف .... وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها .... وليس يكسفُ إلا الشمس والقمر
عن النصح
تعمدني بنصحك في إنفرادي ..... وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع .... من التوبيخ لا أرضى إستماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي .... فلا تجزع إذا لم تُعط طاعة
كتمان السر
اذا المرء أفشى سرّهُ بلسانه .... ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه .... فصدر الذي يستودع أضيق
التغاضي عن هفوات الناس
اذا رافقت في الاسفار قوما .... فكن لهم كذي الرَّحم الشفيق
ولا تأخذ بعثرة كل قوم .... ولكن قُل : هلُمَّ الى الطريق
فإن تأخذ بعثرتهم يقلُّوا .... وتبقى في الزمان بلا صديق
العفة
عفّوا تعفّ نساؤكم في المحرم ... وتجنبوا ما لا يليقُ بمسلم
إن الزنى دين فإن اقرضتهُ ... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
الإعراض عن الجاهل
أعرِض عن الجاهل السفيه .... فكُل ما قال فهو فيه
ما ضرَّ بحر الفرات يوما .... إن خاض بعض الكلاب فيه
وهنا قصيدة تقطر حكماً وموعظة .. وهي من أشهر قصائده إن لم تكن من أشهر قصائد العرب
الرضى بقضاء الله
دع الأيام تفعل ما تشاء .... وطب نفسا اذا حكم القضاء
ولاتجزع لحادثة الليالي .... فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلداً .... وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثُرت عيوبك في البرايا .... وسرّك أن يكون لها غطاء
تستّر بالسخاء فكل عيب .... يغطيه .. كما قيل .. السخاء
ولا تُرِ للأعاديقطُ ذلا .... فإن شماتة الأعداء بلاءُ
ولا ترجُ السماحة من بخيل .... فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني .... وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور .... ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع .... فأنت ومالكُ الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا .... فلا ارض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن .... اذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الايام تغدر كل حين .... فما يغني عن الموت الدواء
حدّث
المزني قال : دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت : كيف اصبحت ؟
قال : أصبحت من الدنيا راحلا , وللاخوان مفارقا , ولكأس المنية شاربا ,
وعلى الله واردا , فلا أدري أصير إلى الجنة فأهنّيها , أم الى النار
فأُعزيها ... ثم أنشأ يقول
ولا تطع النفس اللجوج فتندما خف الله وارجه لكل عظيمة
وابشر بعفو الله ان كنت مسلما وكن بين هاتين من الخوف والرجا
جعلت الرجا مني لعفوك سلما ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي
بعفوك ربي كان عفوك اعظما تعاظمني ذنبي فلما قرنته
وان كنتُ ياذا المن والجود مجرما اليك اله الخلق ارفع رغبتي
تجود وتعفو منّة وتكرما فما زِلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
فكيف وقد أغوى صفيُّك آدما فلولاك لم يصمد لإبليس عابد
تفيض لفرط الوجد اجفانه دما فلله در العارف الندب انه
على نفسه من شدة الخوف مأتما يقيم اذا ما الليل مدّ ظلامه
وفيما سواه في الورى كان اعجما فصيحا اذا ما كان في ذكر ربه
وما كان فيها بالجهالة اجرما ويذكر اياما مضت من شبابه
اخا السهد والنجوى اذا الليل اظلما فصار قرين الهم طول نهاره
كفى بك للراجين سُؤلا ومغنما يقول حبيبي انت سُؤلي وبغيتي
ولا زلت منانا عليّ ومنعما الست الذي غذيتني وهديتني
ويستر اوزاري وما قد تقدما عسى من له الاحسان يغفر زلتي
ولولا الرضى ما كُنتُ يارب مُنعْما تعاظمني ذنبي فأقبلت خاشعا
ظلوم غشوم لا يزايل مأثما فإن تعفُ عني تعفُ عن متمرد
ولو أدخلوا نفسي بجرم جهنما فإن تنتقم مني فلست بآيس
وعفوك يأتي العبد اعلى وأجسما فجرمي عظيم من قديم وحادث
ونور من الرحمن يفترش السما حوالي فضل الله من كل جانب
واعلم ان الله يعفو ترحما واني لآتي الذنب اعرف قدره
اذا قارب البشرى وجاز الى الحمى وفي القلب إشراق المُحِب بوصله
يطالعني في ظلمة القبر انجما حوالي إيناس من الله وحده
واحفظ عهد الحب ان يتثلما اصون ودادي ان يدنسه الهوى
تلاحق خطوي نشوة وترنما ففي يقظتي شوق وفي غفوتي منى
ومن يرجه هيهات ان يتندما ومن يعتصم بالله يسلم من الورى