وقال تعالى في شأن اليسع عليه السلام: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 86].
* نسب إلياس:
لم يتفق المؤرخون على نسب منضبط له، وقد ذكر الطبري له النسب التالي:
هو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون.
فهو على هذا من ذرية هارون عليه السلام، وهكذا يذهب نسبه صاعداً إلى إبراهيم عليه السلام.
* نسب اليسع:
جاء في تاريخ الطبري أنه: (اليسع بن أخطوب).
وجاء في تاريخ ابن خلدون أنه: (اليسع بن أخطوب من سبط أفرايم).
وقيل: هو ابن عم إلياس.
قال ابن عساكر: (اسمه أسباط بن عدي بن شوليم بن افرائيم). والله أعلم.
ومن المقطوع به: أن كلاً من إلياس واليسع من بني إسرائيل، ومن ذرية إبراهيم عليه السلام.
* حياة إلياس واليسع عليهما السلام في فقرات:
(أ) ليس لدى المؤرخين صورة صحيحة كاملة عن حياة إلياس واليسع عليهما السلام، إلا أننا نستطيع أن نستخلص من مختلف أقوالهم الأمور البارزة التالية:
1- عقب انتهاء ملك سليمان عليه السلام في سنة (933)ق.م انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى قسمين:
القسم الأول: كان خاضعاً لملك سلالة سليمان بن داود عليه السلام، وأول ملوكهم رُحُبْعام بن سليمان، ويشمل هذا القسم سبطي يهوذا وبنيامين.
القسم الثاني: كان خاضعاً لملك (جربعام) بن ناباط وأسرته من بعده. قالوا: وقد جاءهم (جربعام) من مصر، وهو من سبط أفرايم بن يوسف عليه السلام، وبايعه سائر أسباط بني إسرائيل العشرة، وقد حكمت هذه الأسرة من 933-887ق.م، وهي مدّة (46) سنة تقريباً.
وسبب شقاق الأسباط العشرة عن (رُحُبْعام) بن سليمان، أنه رفض إعفاءهم من الضرائب التي كانت عليهم.
2- ثم قامت بعد أسرة (جربعام) الحاكمة على أسباط بني إسرائيل العشرة أسرة (عُمْري)؛ وملكت من (887-843)ق.م، وهي مدة (44) سنة تقريباً.
وفي هذه الأثناء-أي نحو (875)ق.م-سمح (أخاب)-أحد ملوك هذه الأسرة-لزوجته إيزابيل بنت أثعيل-ملك صور-أن تقوم بنشر عبادة قومها في بني إسرائيل؛ فشاعت العبادة الوثنية فيهم، فصار لهم صنم يعبدونه يسمونه (بعلاً).
3- فأرسل الله إليهم (إلياس عليه السلام)، -ويسمى عند المؤرخين: إليشاه أو إيليَّا-فنهاهم عن عبادة الأوثان، وأمرهم بعبادة الله وحده، والرجوع إلى الشريعة الصافية التي جاء بها موسى ومن بعده من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام؛ ونصح بذلك ملكهم (أخاب) فلم يستجب له، وأصرّ على عناده وانحرافه عن الإسلام الخالص من شوائب الوثنية، فانتقم الله منه، فأزال ملكه وملك أسرة عمري على يد (يهوشافاط) وهو من سبط (مِنسَّا) بن يوسف عليه السلام.
4- وقد آمن بإلياس رجل صالح من بني إسرائيل اسمه: (اليسع = اليشع)، فصاحبه مدة حياته في الأرض ثم أرسله الله من بعده في بني إسرائيل.
5- جاء في تاريخ الطبري عن ابن إسحاق ما ملخّصه: أن إلياس عليه السلام لما دعا بني إسرائيل إلى نبذ عبادة الأصنام، والاستمساك بعبادة الله وحده، رفضوه ولم يستجيبوا له، فدعا ربه فقال:
اللَّهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، والعبادة لغيرك، فغيِّر ما بهم من نعمتك. فأوحى الله إليه: إنا جعلنا أمر أرزاقهم بيدك، فأنت الذي تأمر في ذلك، فقال إلياس: اللَّهم فأمسك عنهم المطر، فحبس عنهم المطر، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والشجر، وجهد الناس جهداً شديداً. وكان إلياس لما دعا عليهم استخفى عن أعينهم، وكان يأتيه رزقه حيث كان، فكان بنو إسرائيل كلما وجدوا ريح الخبز في دار قالوا: هنا إلياس، فيطلبونه وينال أهلَ ذلك المنزل منهم شرٌّ.
وقد أوى ذات مرة إلى بيت امرأة من بني إسرائيل، لها ابن يقال له، (اليسع بن أخطوب) به ضرٌّ، فأتوه وأخفت أمره، فدعا الله لابنها فعافاه من الضرّ الذي كان به، واتبع إلياسَ وآمن وصدقه ولزمه، فكان يذهب معه حيثما ذهب، وكان إلياس قد أسنّ وكبر، وكان اليسع غلاماً شاباً.
ثم إن إلياس قال لبني إسرائيل: إذا تركتم عبادة الأصنام دعوت الله أن يفرج عنكم، فأخرجوا أصنامهم ومحدثاتهم، فدعا الله لهم ففرج عنهم وأغاثهم، فحييت بلادهم، ولكنهم لم يرجعوا عما كانوا عليه، ولم يستقيموا، فلما رأى ذلك إلياس منهم دعا ربه أن يقبضه إليه فقبضه ورفعه. والله أعلم.
ثم إن الله أرسل إليهم اليسع بعد إلياس.
)ب) أما القرآن الكريم فإنه اقتصر في الحديث عن هذين الرسولين على ما يلي:
1- إثبات نبوة ورسالة كل من إلياس واليسع.
2- إثبات دعوة إلياس قومه إلى عبادة الله وحده، ونهيهم عن عبادة الصنم (بعل).
3- إثبات أن قومه كذبوه إلا عباد الله المخلصين.
4- إكرام الله له بأن الله ترك في الآخرين سلاماً عليه.