هو أبو بكر محمد بن يحيى الصائغ التيجي السرقسطي ابن باجة. مشهور بابن الصائغ، وابن باجه. ولد في نهاية القرن الحادي عشر بسراقسطة، وتوفي بفاس بمراكش 1138. فيلسوف عربي أندلسي، اشتغل بالسياسة فاستوزره أبو بكر بن ابراهيم، صهر على الأخير المرابط، وكان حاكماً على سراقسطة. تنقل بين سراقسطة واشبيلية وغرناطة وفاس، تعرض ابن باجه لتشنيع خصومه وحساده، وخاصةً الفتح بن خاقان. اشتغل ابن باجة بالفلسفة فعني بالفلسفة الطبيعية والإلهية والمنطق، فنبغ في العلوم الطبيعية والرياضية والفلك والطب والموسيقى، كما كان شاعراً يمتاز بعض شهره بالرقة والدقة أكثر مصنفات ابن باجة على مذهب أرسطو، ومنها شروحه على طبيعيات أرسطو في الكون والفساد والآثار العلوية، وشروحه على ثلاث رسائل للفارابي أما رسائله المؤلفة ، فمنها رسائل في الرياضة والنفس، ومقالات في الفلسفة والطب والتاريخ الطبيعي ومن رسائله الفلسفية "رسالة الوداع" وكان على وشك سفر طويل، فكتبها لأحد أصدقائه يستودعه آراءه إذا لم يقدر لهما اللقـاء في هذه الرسالة آراء طريفة عن المحرك الأول في الإنسان، وهو العقل، وعن الغاية الحقيقية من وجود الإنسان ومن العلم وهي القرب من الله، والاتصال بالعقل الفعال الذي يفيض من الله. أهم مصنفات ابن باجة "تدبير المتوحد" وهو أشمل كتبه لفلسفته، وأدلها على نزعتـه. والتدبير الذي يعنيه هو ترتيب الأفعال نحو غاية مقصودة، هي الاتحاد بالعقل الفعال، والمتوحد الذي يصنع له هذا التدبير ليس زاهداً ولا عاكفاً، وإنما هو إنسان يحيا حياة عقلية، فيأخذ نفسه بالبحث والنظر، ويشتغل بشؤون الحياة في المدينة الفاضلة، وهي عند ابن باجة أكثر المدن علماً وأكثرها بأهل الفضل المتحلين بكمال العلم والعمل، والذين ليس للأطباء ولا للقضاة وجود في مدينتهم الفاضلة، فهم ليسوا بحاجة إلى الأطباء، لأنهم لا يطعمون إلا الملائم لصحة أبدانهم من الغذاء فلا يمرضون وليسوا بحاجة إلى القضاة لأنهم لا يتنازعون وإنما يصدرون جميعاً عن العقل، ويضبطون نفوسهم وأفعالهم بضوابط العقل الذي يستعلي فيهم على قواهم النفسية الأخرى، من غضبية وشهوية. ويفصل ابن باجة القول في الأفعال الحيوانية الصادرة عن الغريزة، والأفعال الإنسانية الصادرة عن الروية والأناة، والصور العقلية وصلتها بالأفعال، وغاية هذه الأفعال، لينتهي بالتوحيد إلى غايته القصوى، وهي إقامة حياته في المدينة الفاضلة على دعائم عقلية يتوجها اتصاله بالعقل الفعال. بهذا وجه ابن باجة الفلسفة الإسلامية وجهة مخالفة لوجهة التصوف التي كانت عند الغزالي معرفة ذوقية يقذفها الله في قلب الإنسان، فينعم بالبهجة والسعادة، بينما كانت عند ابن باجة علماً نظرياً يمكن الإنسان من إدراك وجوده الحقيقي، ويهيئ له تدبير أفعاله واتصاله بالعقل الفعّال، فإذا هو إنسان إلهـي كان ابن باجة عالماً بالموسيقى ينسب إليه البعض شيئاً من ألحان الأندلس.