قالها أستاذ العربية يوماً. كنا في بداية العام الدراسي، وحدثت مشادة قوية بين فتاتين ظنناهما صديقتين حميمتين. تبادلتا كلاماً جارحاً. وقال الأستاذ حينها: "صداقة الشهر والأسبوع والساعة لا تعني صداقة العمر". أتذكر كلامه هذه الأيام، وأنا أرى ابن عمي يهجر بيتنا، وأُمّه تخاصم أُمّنا، وعايدة، ابنة الجيران تبكي. تعرفت على منية في الكلية. فتاة جميلة في عمري. تحدثنا، وارتحلنا لبعضنا، وتبادلنا أرقام الهاتف. زارتني، والتقت مرة بعايدة وهي تساعد أُمّي في سقي شجيرات الحديقة، واعتقدت أنّها الخادمة. شرحت لها بشيء من الحرج أنّها ابنة الجيران، ورفيقتي السابقة في المدرسة، وصديقتي القديمة، ولم يغير ذلك شيئاً في طريقة تعاملها معها. ظلت تتجاهلها حين تتحدث، وتلقي إليها بين الفينة والأخرى أوامر من قبيل "مدي إلى الصحن"، أو "اغلقي النافذة" دون أن تضيف إلى كلامها عبارات أدب أو مجاملة. لم يرق لي ذلك، ولكنني لم أتوقف عنده. علاقتي بمنية بدأت تتوثق. وعايدة، رغم حبي لها، صارت بعيدة عني. انقطاعها عن الدراسة، وانصرافها لأشغال البيت حولها إلى قطعة أثاث لا أنتبه إليها غالباً. حل الصيف، وعاد ابن عملي الذي هاجر إلى أميركا منذ سنوات إلى المغرب ليبحث عن عروس. واشترط أن نزوّجه بربة بيت جميلة وهادئة، لا تفكر في العمل. تباحثت نساء العائلة في الأمر. ابن العم شاب مكافح، يكسب حياته جيِّداً، ويستحق أن يقترن بالأفضل. المشكلة أنّه ولا واحدة منّا، نحن قريباته، رضيت بأن تتخلى عن طموحاتها المهنية من أجله. تداولت النساء أسماء بنات المعارف، واقترحت أُمّي... عايدة. تحدثت وأختي في الأمر، وقررنا أن نفعل شيئاً لتتزوج ابنة جيراننا الوديعة بابن عمنا. لم يطل تفكيرنا. ابن عمنا مولع بالإنترنت، وعايدة خجول، ولا تفقه شيئاً لا في النت ولا في غيره. لكنها تناسب العريس أكثر من أي فتاة أخرى. دخلنا حسابه باسمها، وطلبنا أن نتعرف عليه، وبدأت الحكاية. كانت جرأة، بل وقاحة منا أن نفعل ما فعلناه، لكننا قصدنا خيراً أخبرت منية بالأمر، وقلت لها إننا سنحدث عايدة ونقنعها بضرورة تعلم أبجديات الإنترنت للتواصل مع الرجل. هرعت منية إلى ابن عمي وأخبرته بكل ما دبرناه. ماذا كان هدفها من ذلك؟ لا أدري. هل كانت تأمل أن يختارها هي؟ يصعب تصديق ذلك، فأحلامها أكبر بكثير من الزواج من مهاجر، وتدبير شؤون بيته. هل شعرت بالغيرة من عايدة، الفتاة التي لم تتوقف عن اعتبارها... خادمة؟ الله وحده يعلم. تصرفها وضع حداً لصداقتنا، صداقة الشهر والأسبوع والساعة التي تحدث عنها أستاذ العربية، ولم تنته علاقتي بعايدة التي تزوجها ابن عمي في النهاية، وأخذها معه. أنا الآن أقيم عندهما، وأتابع دراستي، وأشعر بأنني لم أفارق أهلي. حنان عايدة ودفؤها يعوضني عن بعدهم.